تَبَارَكَ اللهُ مَا وَحَيٌ بِمُكْتَسِبٍ
وَلاَ نَبيُّ عَلَى غَيْبٍ بِمُتَّهَمِ
كَمْ أَبْرَأَتْ وَصِبًا بِاللَّمْسِ رَاحَتُهُ
وَأَطْلَقَتْ أَرِبًا مِنْ رِبْقَهِ اللَّمَمِ
وَأَحَيتِ السَّنَةَ الشَّهْبَاءَ دَعْوَتُهُ
حَتَّى حَكَتْ غُرَّةً فيِ الأَعْصُرِ الدُّهُمِ
بِعَارضٍ جَاَد أَوْ خِلْتَ البِطَاحَ بِهَا
سَيْبًا مِنَ اليَمِّ أَوْ سَيْلاً مِنَ العَرِمِ
الفصل السادس
في شرف القرآن و مدحه
دَعْنيِ وَوَصْفِي آيَاتٍ لَهُ ظَهَرَتْ
ظُهُورَ نَارِ القِرَى لَيْلاً عَلَى عَلَمِ
فَالدُّرُّ يَزْدَادُ حُسْنًا وَهُوَ مُنْتَظِمٌ
وَلَيْسَ يَنْقُصُ قَدْرًا غَيْرَ مُنْتَظِمِ
فَمَا تَطَاوُلُ آمَالِ المَديحِ إِلىَ
مَا فِيهِ مِنْ كَرَمِ الأَخْلاَقِ وَالشِّيَمِ
آيَاتُ حَقٍّ مِنَ الرَّحْمَنُ مُحْدَثَةٌ
قَدِيمَةُ صِفَةُ المَوْصُوفِ بِالقِدَمِ
لَمْ تَقْتَرِنْ بِزَمِانٍ وَهِيَ تُخْبِرُنَا
عَنْ المَعَادِ وَعَنْ عَادٍ وَعَنْ إِرَمِ
دَامَتْ لَدَيْنَا فَفَاقَتْ كُلَّ مُعْجِزَةً
مَنَ النَّبِيِّينَ إِذْ جَاءَتْ وَلَمْ تَدُمِ
مُحْكَّمَاتٌ فَمَا تُبْقِينَ مِنْ شُبَهٍ
لِذِي شِقَاقٍ وَمَا تَبْغِينَ مِنْ حَكَمِ
مَا حُورِبَتْ قَطُّ إِلاَّ عَادَ مِنْ حَرَبٍ
أَعْدَى الأَعَادِي إِلَيْهَا مُلْقِيَ السَّلَمِ
رَدَّتْ بَلاَغَتُهَا دَعْوَى مُعَارِضِهَا
رَدَّ الغَيْورِ يَدَ الجَانيِ عَنِ الْحَرَمِ
لَهَا مَعَانٍ كَمَوْجِ البَحْرِ فيِ مَدَدٍ
وَفَوْقَ جَوْهَرِهِ فيِ الْحُسْنِ وَالقِيَمِ
فَمَا تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى عَجَائِبُهَا
وَلاَ تُسَامُ عَلَى الإِكْثَارِ بِالسَّأَمِ
قَرَّتْ بِهَا عَيْنُ قَارِيهَا فَقُلْتُ لَهُ
لَقَدْ ظَفِرْتَ بِحَبْلِ اللهِ فَاعْتَصِمِ
إِنْ تَتْلُهَا خِيفَةً مِنْ حَرَّ نَارِ لَظَى
أَطْفَأْتَ حَرَّ لَظَىَ مِنْ وِرْدِهَا الشَّبِمِ
كَأَنَّهَا الحَوْضُ تَبْيَضُّ الوُجُوهُ بِهِ
مِنَ العُصَاةِ وَقَدْ جَاءُوهُ كَالحُمَمَ
وَكَالصِّرَاطِ وَكَالمِيزَانِ مَعْدَلَةٍ
فَالقِسْطُ مِنْ غَيْرِهَا فيِ النَّاسِ لَمْ يَقُم
لاَ تَعْجَبَن لِحَسُودٍ رَاحَ يُنْكِرُهَا
تَجَاهُلاً وَهُوَ عَيْنُ الحَاذِقِ الفَهِمِ
قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ
وَيُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سَقَمِ
الفصل السابع
في إسرائه و معراجه صلى الله عليه و سلم
يَا خَيْرَ مَنْ يَمَّمَ العّافُونَ سَاحَتَهُ
سَعْيًا وَفَوْقَ مُتُونِ الأَيْنُقِ الرُّسُمِ
وَمَنْ هُوَ الآيَةُ الكُبْرَى لِمُعْتَبِرٍ
وَمَنْ هُوَ النِّعْمَةُ العُظْمَى لِمُغْتَنِمِ
سَرَيْتَ مِنْ حَرَمٍ لَيْلاً إِلىَ حَرَمٍ
كَمَا سَرَى البَدْرُ فيِ دَاجٍ مِنَ الظُّلَمِ
وَبِتَّ تَرْقَى إِلىَ أَنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً
مِنْ قَابِ قَوْسَيْنِ لَمْ تُدْرَكْ وَلَمْ تُرَمِ
وَقَدَّمَتْكَ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ بِهَا
وَالرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَمِ
وَأَنْتَ تَخْتَرِقُ السَّبْعَ الطِّبَاقَ بِهِمْ
فيِ مَوْكِبٍ كُنْتَ فِيهِ الصَّاحِبَ العَلَمِ
حَتىَّ إِذَا لَمْ تَدَعْ شَأْوًا لِمُسْتَبِقٍ
مِنَ الدُّنُوِّ وَلاَ مَرْقَى لِمُسْتَنِمِ
خَفَضْتَ كُلَّ مَقَامٍ بِالإِضَافَةٍ إِذْ
نُودِيتَ بِالرَّفْعِ مِثْلَ المُفْرَدِ العَلَمِ
كَيْمَا تَفُوزَ بِوَصْلٍ أَيِّ مُسْتَتِرٍ
عَنْ العُيُونِ وَسِرٍّ أَيِّ مُكْتَتَمِ
فَحُزْتَ كُلَّ فَخَارٍ غَيْرَ مُشْتَركٍ
وَجُزْتَ كُلَّ مَقَامٍ غَيْرَ مُزْدَحَمِ
وَجَلَّ مِقْدَارُ مَا وُلِّيتَ مِنْ رُتَبٍ
وَعَزَّ إِدْرَاكُ مَا أُولِيتَ مِنْ نِعَمِ
بُشْرَى لَنَا مَعْشَرَ الإِسْلاَمٍ إِنَّ لَنَا
مِنَ العِنَايِةِ رُكْنًا غَيْرَ مُنْهَدِمِ
لَمَّا دَعَا اللهُ دَاعِينَا لِطَاعَتِهِ
بِأَكْرَمِ الرُّسْلِ كُنَّا أَكْرَمَ الأُمَمِ
الفصل الثامن
في جهاد النبي صلى الله عليه و سلم
رَاعَتْ قُلُوبَ الْعِدَا أَنْبَاءُ بِعْثَتِهِ
كَنَبْأَةٍ أَجْفَلَتْ غُفْلاً مِنَ الْغَنَمِ
مَا زَالَ يَلْقَاهُمُ فيِ كُلِّ مُعْتَرَكٍ
حَتىَّ حَكَوْا بِالْقَنَا لَحْمًا عَلَى وَضَمِ
وَدُّوا الفِرَارَ فَكَادُوا يَغْبِطُونَ بِهِ
أَشْلاَءَ شَالَتْ مَعَ الْعِقْبَانِ وَالرَّخَمِ
تَمْضِي اللَّيَالِي وَلاَ يَدْرُونَ عِدَّتَهَا
مَا لَمْ تَكُنْ مِنْ لَيَالِي الأَشْهُرِ الْحَرَمِ
كَأَنَّمَا الدِّينُ ضَيْفٌ حَلَّ سَاحَتَهُمْ
بِكُلِّ قَرْمٍ إِلىَ لَحْمِ العِدَا قَرِمِ
يَجُرُّ بَحْرَ خَمْيسٍ فَوْقَ سَابِحَةٍ
يَرْمِى بِمَوْجٍ مِنَ الأَبْطَالِ مُلْتَطِمِ
مِنْ كُلِّ مُنْتَدَبٍ للهِ مُحْتَسِبٍ
يِسْطُو بِمُسْتَأْصِلٍ لِلكُفْرِ مُصْطَلِمِ
حَتىَّ غَدَتْ مِلَّةُ الإِسْلاَمِ وَهْيَ بِهِمْ
مِنْ بَعْدِ غُرْبَتِهَا مَوْصُولَةَ الرَّحِمِ
مَكْفُولَةً أَبَدًا مِنْهُمْ بِخَيْرِ أَبٍ
وَخَيْرِ بَعْلٍ فَلَمْ تَيْتَمْ وَلَمْ تَئِمِ
هُمُ الجِبَالُ فَسَلْ عَنْهُمْ مُصَادِمَهُمْ
مَاذَا رَأَى مِنْهُمُ فيِ كُلِّ مُصْطَدَمِ
وَسَلْ حُنَيْنًا وَسَلْ بَدْرًا وَسَلْ أُحُدًا
فُصُولَ حَتْفٍ لَهُمْ أَدْهَى مِنَ الوَخَمِ
المُصْدِرِي البِيضِ حُمْرًا بَعْدَ مَا وَرَدَتْ
مِنَ العِدَا كُلَّ مُسْوَدٍّ مِنَ اللِّمَمِ
وَالكَاتِبِينَ بِسُمْرِ الخَطِّ مَا تَرَكَتْ
أَقْلاَمُهُمْ حَرْفَ جِسْمٍ غَيْرَ مُنَعَجِمِ
شَاكِي السِّلاَحِ لَهُمْ سِيمَا تُمَيِّزُهُمْ
وَالوَرْدُ يَمْتَازُ بِالسِّيمَا عَنِ السَّلَمِ
تُهْدِي إِلَيْكَ رِيَاحُ النَّصْرِ نَشْرَهُمُ
فَتَحْسَبُ الزَّهْرَ فيِ الأَكْمَامِ كُلَّ كَمِي
كَأَنَّهُمْ فيِ ظُهُورِ الخَيْلِ نَبْتُ رَبًا
مِنْ شِدَّةِ الحَزْمِ لاَ مِنْ شِدَّةِ الحُزُمِ
طَارَتْ قُلُوبُ العِدَا مِنْ بَأْسِهِمْ فَرَقًا
فَمَا تُفَرِّقُ بَيْنَ البَهْمِ وَالبُهُمِ
وَمَنْ تَكُنْ بِرَسُولِ اللهِ نَصْرَتُهُ
إِنْ تَلْقَهُ الأُسْدُ فيِ آجَامِهَا تَجِمِ
وَلَنْ تَرَى مِنْ وَليٍّ غَيْرِ مُنْتَصِرٍ
بِهِ وَلاَ مِنْ عَدُوٍّ غَيْرَ مُنْقَصِمِ
أَحَلَّ أُمَّتَهُ فيِ حِرْزِ مِلَّتِهِ
كَاللَّيْثِ حَلَّ مَعَ الأَشْبَالِ فيِ أَجَمِ
كَمْ جَدَّلَتْ كَلِمَاتُ اللهِ مِنْ جَدَلٍ
فِيهِ وَكَمْ خَصَمَ البُرْهَانُ مِنْ خَصِمِ
كَفَاكَ بِالْعِلْمِ فيِ الأُمِّيِّ مُعْجِزَةً
فيِ الجَاهِلِيَّةِ وَالتَّأْدِيبِ فيِ اليُتُمِ
الفصل التاسع
في التوسل بالنبي صلى الله عليه و سلم
خَدَمْتُهُ بِمَدِيحٍ أَسْتَقِيلُ بِهِ
ذُنُوبَ عُمْرٍ مَضَى فيِ الشِّعْرِ وَالخِدَمِ
إِذْ قَلَّدَانِيَ مَا تَخْشَى عَوَاقِبُهُ
كَأَنَّنِي بِهِمَا هَدْىٌ مِنَ النَّعَمِ
أَطَعْتُ غَيَّ الصِّبَا فيِ الحَالَتَيْنِ وَمَا
حَصَلْتُ إِلاَّ عَلَى الآثَامِ وَالنَّدَمِ
فَيَا خَسَارَةَ نَفْسٍ فيِ تِجَارَتِهَا
لَمْ تَشْتَرِ الدِّينَ بِالدُّنْيَا وَلَمْ تَسُمِ
وَمَنْ يَبِعْ آجِلاً مِنْهُ بِعَاجِلِهِ
يَبِنْ لَهُ الْغَبْنُ فيِ بَيْعٍ وَفيِ سَلَمِ
إِنْ آتِ ذَنْبًا فَمَا عَهْدِي بِمُنْتَقِضٍ
مَنَ النَّبِيِّ وَلاَ حَبْلِي بِمُنْصَرِمِ
فَإِنَّ ليِ ذِمَّةً مِنْهُ بِتَسْمِيَتيِ
مُحَمَّداً وَهُوَ أَوْفَى الخَلْقِ بِالذِّمَمِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ فيِ مَعَادِي آخِذًا بِيَدِي
فَضْلاً وَإِلاَّ فَقُلْ يَا زَلَّةَ القَدَمِ
حَاشَاهُ أَنْ يَحْرِمَ الرَّاجِي مَكَارِمَهُ
أَوْ يَرْجِعَ الجَارُ مِنْهُ غَيْرَ مُحْتَرَمِ
وَمُنْذُ أَلْزَمْتُ أَفْكَارِي مَدَائِحَهُ
وَجَدْتُهُ لِخَلاَصِي خَيْرَ مُلْتَزِمِ
وَلَنْ يَفُوتَ الغِنَى مِنْهُ يَدًا تَرِبَتْ
إَنَّ الحَيَا يُنْبِتَ الأَزْهَارَ فيِ الأَكَمِ
وَلَمْ أُرِدْ زَهْرَةَ الدُّنْيَا الَّتيِ اقْتَطَفَتْ
يَدَا زُهَيْرٍ بِمَا أَثْنَى عَلَى هَرِمِ
الفصل العاشر
في المناجاة و عرض الحاجات
يَا أَكْرَمَ الخَلْقِ مَالَي مَنْ أَلُوذُ بِهِ
سِوَاكَ عِنْدَ حُلُولِ الحَادِثِ العَمِمِ
وَلَنْ يَضِيقَ رَسُولُ اللهِ جَاهُكَ بيِ
إِذَا الكَرِيمِ تَجَلَّى بِاسْمِ مُنْتَقِمِ
فَإِنَّ مِنْ جُودِكَ الدُّنْيَا وَضُرَّتَهَا
وَمِنْ عُلُومِكَ عِلْمَ اللَّوْحِ وَالقَلَمِ
يَا نَفْسُ لاَ تَقْنَطِي مِنْ زَلَّةٍ عَظُمَتْ
إَنَّ الكَبَائِرَ فيِ الغُفْرَانِ كَاللَّمَمِ
لَعَلَّ رَحْمَةَ رَبِّي حِينَ يَقْسِمُهَا
تَأْتِي عَلَى حَسَبِ العِصْيَانِ فيِ الْقِسَمِ
يَا رَبِّ وَاجْعَلْ رَجَائِي غَيْرَ مُنْعَكِسٍ
لَدَيْكَ وَاجْعَلْ حِسَابِي غَيْرَ مُنْخَرِمِ
وَالْطُفْ بِعَبْدِكَ فيِ الدَّارَيْنِ إَنَّ لَهُ
صَبْرًا مَتَى تَدْعُهُ الأَهْوَالُ يَنْهَزِمِ
وَأْذَنْ لِسُحْبِ صَلاَةٍ مِنْكَ دَائِمَةً
عَلَى النَّبِيِّ بِمُنْهَلٍّ وَمُنْسَجِمِ
مَا رَنَّحَتْ عَذَبَاتِ الْبَانِ رِيحُ صَبًا
وَأَطْرَبَ الْعِيسَ حَادِي الْعِيسِ بِالنَّغَمِ
ثُمَّ الرِّضَا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَنْ عُمَرٍ
وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ عُثْمَانَ ذِي الْكَرَمِ
وَالآلِ وَالصَّحْبِ ثُمَّ التَابِعِيَن فَهُمْ
أَهْلُ التُّقَى وَالنَّقَا وَالحِلْمُ وَالْكَرَمِ
يِا رَبِّ بِالمُصْطَفَى بَلِّغْ مَقَاصِدَنَا
وَاغْفِرْ لَنَا مَا مَضَى يَا وَاسِعَ الكَرَمِ
وَاغْفِرْ إِلَهِي لِكُلِ المُسْلِمِينَ بِمَا
يَتْلُونَ فيِ المَسْجِدِ الأَقْصَى وَفيِ الحَرَمِ
بِجَاهِ مَنْ بَيْتَهُ فيِ طَيْبَةٍ حَرَمٌ
وَاسْمُهُ قَسَمٌ مِنْ أَعْظَمِ الْقَسَمِ
وَهَذِهِ بُرْدَةُ المُخْتَارِ قَدْ خُتِمَتْ
وَالحَمْدُ للهِ فيِ بِدْءٍ وَفيِ خَتَمِ
أَبْيَاتُهَا قَدْ أَتَتْ سِتِّينَ مَعْ مِائَةٍ
فَرِّجْ بِهَا كَرْبَنَا يَا وَاسِعَ الْكَرَمِ